البلد المكرم

في الاحتفاء بالمسرح السوريّ

الاحتفاء، في كل دورة من دورات أيام قرطاج المسرحية، بالمُنجز المسرحِيّ في دولة عربية أو إفريقيّة سُنَّةٌ قائمة. يندرج هذا الاحتفاء ضمن روح المهرجان واختياراته، منذ نشأته، فلقد نشأ ليوفِّر فضاءً لالتقاء المسرحيّين العرب والأفارقة لتبادُل تجاربهم تبادُلًا لا ينفي تفاعُلهم مع مسارح العالم.

للاحتفاء، في هذه الدّورة، بالمُنجز المسرحِيّ السورِيّ سمات تُميّزُه عن باقي الاحتفاءات السابقة. ويعود السرّ في ذلك إلى سمات كثيرةٍ لعلَّ أهمَّها:

  • موقعُ الرِّيادة الذي احتلّه المثقّفون والمسرحيون الشّوَام (نسبةً إلى الشام طبعًا)، منذ النّصف الثاني من القرن التّاسع عشر، في استنبات هذا الفنّ في الثقافة العربيّة وفي رسم أهمّ المسالك التي ستعرِفُه ممارستُه في مُختَلَف الأقطار العربيّة. يكفي أن نذكر آل النّقّاش وأحمد أبا خليل القبّاني ثم سليمان قرداحي وإسكندر فرح ومَنْ لحق بهم باعتبارهم نماذجَ حيّةً لتلك الريادة.
  • إسهامُ المسرحيين السوريّين في بناء الرصيد المسرحي العربيّ من خلال ما تراكم من النصوص المسرحية التي وجدت أغلبها طريقها إلى الركح : علي عقلة عرسان، وليد إخلاصي، فرحان بلبل، ممدوح عدوان، رياض عصمت وغيرهم … ثمّ منْ لا يستذكر سعد الله ونّوس ونصوصَه التي أُخْرِجت في أكثر من مسرح عربي، مُسْهِمة في بناء رصيد مسرحِي عربي مُشترك؛ كما تُرجمت إلى أهم اللغات وعُرِضت في أكثر من بلد أوروبيّ، مُحقّقة صورًا من الإشعاع للمسرح العربي في العالم. دون أن ننسى أنّ عددًا من نصوصه أضحت تُدرَّس في عدد من المعاهد والجامِعات العربيّة باعتبارها أدبًا دراميّا عربيًّا قائمًا بذاته.
  • إسهامُ المخرجين المسرحيين السوريّين في استيعاب اللغة المسرحية وبناء الذائقة الجمالية المسرحية على امتداد أجيال وأجيال: رفيق الصبّان أسعد فضّة، فايز قزق، جهاد سعد وغيرهم كثير…، وما انفك المسرح السوري يجود بمخرجين من بين الشبّان.
  • مهرجان المسرح العربيّ بدمشق صِنْوُ أيام قرطاج المسرحيّة ومُكمِّله جمَع المسرحيين العرب، أكثر من مرّة، حول مشاريع ثقافية ومسرحيّة ذات تطلّعات قوميّة، تحقّق منها ما تحقّق وتعطّل منها ما تَعطّل.
  • الإسهام، على الصعيد النّظري والتنظيري، في التثقيف المسرحيّ وفي بناء نقد مسرحيّ وتوفير المعارف بصورة تسمح ببناء ثقافة مسرحيّة لا تقنع بالقائم وتسعى إلى الجديد والتجديد وتوفير الأدوات الكفيلة بذلك، يكفي أن نذكر، من بينها، مجلّة الحياة المسرحيّة التي كانت ومازالت مرجعًا لا يكاد يغيب عن المسرحيين العرب في مختلف الأقطار. وهل يُمكن أن نُغْفِل المُعجم المسرحيّ (مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون الفرجة) لماري إلياس وحنان قصّاب حسن الذي فتح لغة الضّاد على مختلف المصطلحات والمفاهيم ووفّر للناطقين بها ما يسمح بمعالجة قضايا المسرح والتفاعل مع منجزات أهله في مُختلف اللغات الأخرى، مُعْتمدين لسانهم العربيّ.   

من الهام والضروريّ، بهذه المناسبة، أن نقف على هذه الإنجازات ونبرز جهود من كان وراءها فنحيّيها، ونُقيّمها تقييمًا منصفًا يُنزّلها منزلتها من جهود المسرحيّين في مُختلف الأقطار العربيّة.

لكنّ المسرح السوري عاش كما عاشت سوريا والشعب السوريّ، خلال السنوات الأخيرة، تحوّلات مختلفة، منها ما كان شديدًا كل الشّدة على سوريا وأهلِها. 

ولنا أن نتساءل: أيُّ أثر تركته هذه التحوّلات في المسرح وممارسته في سوريا وفي مقاربات أصحابه الفكريّة والجمالية، وفي طبيعة تقبّله؟ ما طبيعة الدور الذي لعبه المسرح إن كان؟ وما امتدادات ذلك كلّه في المسرح في سوريا الآن وغدًا؟

 د. محمد المديوني